إعلان

أشياء لا تُشتري.. كيف بدد غلاء الذهب أحلام الزواج في مصر وسوريا؟

06:11 م الخميس 24 أبريل 2025

غلاء الذهب أحلام الزواج في مصر وسوريا

كتبت- سلمى سمير:

"كل شيء قسمة ونصيب"؛ بهذه الكلمات استطاع ارتفاع سعر جرام الذهب تغيير حياة حسام، لتنتهي قصة حبه وتتبّدَد آماله في الزواج من خطيبته التي بنى أحلامه أن يتزوجها بعد فترة، وسعى للعمل في أكثر من وظيفة في سبيل تحقيق هذه الغاية، إلا أن التغيّر الذي أصاب المعدن الأصفر هوى بأحلام الشاب في مكان سحيق، الآن مثل كثيرين غيره، لعدم قدرة سعيهم على مجاراة ركض ارتفاع الذهب.

لم يجد الشاب ذو الـ32 عامًا نفسه في معزل عن ارتفاع سعر جرام الذهب، مع تبديد أحلامه في الزواج من خطيبته التي تقدّم لها قبل 4 أشهر، كما يحكي الشاب لـ"مصراوي"، والتي اتفق مع أهلها على شراء جزء بسيط من "الشبكة" في بداية الخطبة، على أن يتم شراء الجزء الآخر بعد فترة، نظرًا لظروفه التي لا تسمح له بشراء العدد المطلوب من جرامات الذهب التي قدّرها أهل خطيبته بـ25 جرامًا من الذهب دفعة واحدة.

صورة 1


بين عدة دوامات تدور حياة حسام؛ أولها: ارتفاع سعر جرام الذهب الذي وصل لـ4800 جنيه، وتجهيزات الزواج الملقاة على عاتقه، ومصاعب ومشاكل كل وظيفة في عمله التي يؤدي مهام مختلفة في كل منها، لكن الطامة الكبرى بالنسبة للشاب الثلاثيني كانت ارتفاع سعر الذهب، الذي في حالته هو يستطيع إحداث تغيير حقيقي، رغم مرور أشهر على خطبته.

في نهاية الشهر الماضي، استيقظ حسام في الصباح ليجد مكالمة هاتفية من والد خطيبته، يخبره أنه يود مقابلته في القهوة على ناصية شارعه، للتحدث معه قليلًا بعد العشاء. ارتاب حسام بعد انتهاء المكالمة، نظرًا للقائه السابق مع الرجل، والذي أخبره فيها أنه يود تأجيل شراء بقية جرامات الذهب قليلًا، نظرًا لعدم استطاعته تلبية المطلوب في الفترة الحالية، خاصة مع تجهيزات الزواج التي حالت دون تلبية كل ذلك بالشكل المحدد الذي طلبه أهل العروس.

منذ شروق الشمس وحتى بعد منتصف الليل، هذه هي ساعات عمل حسام يوميًا دون يوم راحة، حتى يستطيع تسديد الالتزامات وشراء المتطلبات ليتمكن من الزواج. "أشعر أنني في سباق لا ينتهي، أركض دون توقف"، يحكي حسام، الذي أخبره والد خطيبته في القهوة بفسخ الخطبة، لعدم قدرته على إنجاز المتفق عليه.

في مجتمع حسام، أو بالنسبة لبعض العائلات، لا يكون فسخ الخطبة بسبب أخلاق الشاب، بل العكس؛ يخبرونه أنه رجل رائع للغاية، والكثير من الفتيات قد يرغبن في الزواج منه، إلا أن "القسمة والنصيب" هي أساس كل شيء، ولا يعني ذلك أنه سيئ، ولا أنهم سيئون، لتنتهي محادثة فسخ الخطبة بتمني التوفيق في حياته القادمة، لكن "بعد أن تبددت الأحلام"، يحكي حسام، الذي يعاني اكتئابًا في الوقت الحالي.

2


ومن مصر إلى الشام، حيث عزيز الأسمر - رسام سوري - الذي لم يجد بدًا من التعبير عمّا أحدثه غلاء الذهب، إلا بأخذ فرشاته والرسم على الجدران داخل سوريا، لينتهي الأمر برسم لوحة "وبعدين معك يا جرام الذهب".

بفرشاته وطلائه، تجوّل عزيز في مدينة إدلب، التي تأوي عددًا كبيرًا من خيام النازحين، حيث يتابع فيها أخبار جرام الذهب، الذي شهد ارتفاعًا غير مسبوق في العالم كله، وأثر بشكل ملحوظ على غير المقتدرين. ليجد نفسه واقفًا أمام الجدار، يصور عليه حالة غير القادرين من الطبقة تحت المتوسطة، كما يصف نفسه لـ"مصراوي".

كما ينقش عزيز بفرشاته على الجدران، يمحو ويرسم كيف يشاء، أعاد غلاء الذهب رسم أحلام كثيرين، فأصبح كالفرشاة أعاد رسم حياة كثيرين فينهي خطبة شاب سوري كان ينوي التقدم للفتاة التي أحبها، لكن كيف ذلك وطلب يد الفتاة من أهلها يتطلب شراء كمٍّ محدد من الجرامات، يطلبها أهل الفتاة من الشاب لإتمام الخطبة.

صورة 3


في الماضي، في الشام القديمة، لم يكن شراء 100 جرام من الذهب حلمًا بعيدًا بالنسبة للرجل إذا أراد شراء "شبكة" للعروس عند طلب يدها، فلم يكن يضطر لتكبد عناء ومشقة كبيرة كما الحال الآن، دون أن ينتهي به المطاف في النهاية بشراء نفس الكمية من الذهب، بل سيقتصر الأمر على خاتم بسيط.

حال عزيز في شبابه ليس كحال ابنه الآن، الذي يرغب في الزواج، لكن السبيل ليس ميسورًا؛ فوالده في صغره استطاع شراء 100 جرام من الذهب حتى يتقدم لخطبة والدته، دون أن يعني ذلك أنه رجل ميسور الحال، بل كان شابًا عاديًا، حاله كحال غيره من الشباب، أما الآن، وقد اختلفت الآية، وتعاقبت حكومات، واختلفت سياسات، فالوضع ليس سواء؛ فأولوية الأب الآن إكمال مصاريف تعليم أبنائه، وليس شراء ذهب العروس.

دفع الذهب الكثير من الشباب للإحجام عن فكرة الزواج أو تأجيلها لسن متأخرة، بحسب عزيز، خاصة مع تعنّت بعض الأهالي في الموافقة على الخاطب، إذا لم يُلبِّ ما طلبوه من عدد جرامات الذهب - في سبيل تأمين مستقبل ابنتهم في حال الطلاق أو وفاة الزوج - لكن التفكير بالأسوأ لم يجعل الأمر إلا أسوأ، مع إحجام الشباب عن الزواج، خاصة في ظل وضع اقتصادي خانق تعاني منه سوريا.

4


رغم أن ارتفاع سعر جرام الذهب شأن عالمي، إلا أن البلاد الفقيرة، خاصة كسوريا التي لم تكد تلتقط أنفاسها بعد حرب استمرت 13 عامًا، وعقوبات كثيرة من قبل الخارج، ووقت النظام السابق، وزلزال عام 2023، جعلت منها بمنأى عن عدم التأثر بهذا التغير؛ فكل ما سبق نال منها ما نال، وألقى بظلاله على الناس، فلم تعد مفردات المرتب للموظف العادي قادرة على تلبية متطلبات الحياة العادية، خاصة وإن زاد على كل ذلك شراء المجوهرات.

مع أن الحرب راحت بأرواح آلاف، وشردت الملايين، ودَفَعت كثيرين من أبناء الشعب السوري للنزوح والعيش في الخيام، إلا أن اتخاذ قطعة القماش مسكنًا لم يدفعهم إلى التعنّت أو المغالاة في طلب مهر الفتاة أو الذهب، بل العكس، بحسب ما يروي "عزيز"، فجعلت منهم الحاجة أكثر رفقًا، فلا يغالون فيما يتعلق بمسائل الزواج وتجهيزات الزفاف.

"جميعهم كانوا أهل عز، لديهم أراضٍ ومنازل فخمة"، يحكي عزيز عن ماضي أهالي المخيمات، الذين، رغم مرور عدة سنوات، لم يعتادوا "البؤس" بعد، فلا يثقلون كاهل الشاب بالمتطلبات، فيوافقون حتى على الزواج بخيمة، على عكس غيرهم، ممن قد يستعيرون ذهب الإخوة والأقارب حتى يظهروا أمام الناس بهيئة الأغنياء، ويتفاخرون بما اشتراه الصهر الجديد لابنتهم، حتى ينتهي الزفاف ويُعطى كلٌّ حقّه.


صورة 5



في سوريا، ليس العُزّاب وحدهم يعانون من ارتفاع سعر الذهب، فحتى المتزوجون يعانون، منهم صديق عزيز، الذي لا يعلم الآن كيف يتدبّر أمره ويسدّ دَينه، بعد أن استدان من معارفه بعض جرامات الذهب، ليبيعها لبناء دكان يبيع فيه البقالة، ويعيد تعمير منزله من أجل تحسين وضعه، وتوفير مصدر دخل له ولأسرته، لكنه تفاجأ بعد ذلك بارتفاع سعر الذهب، ليجد أن إعادة نفس وزن الذهب ستكلفه ضعف المبلغ الذي باعه به.

يعمل صديق عزيز معلّمًا في إحدى مدارس إدلب، لكن دخله لا يسدّ حاجات أسرته، لذلك استدان 200 جرام من الذهب، لبيعهم بمبلغ 10 آلاف دولار وإنشاء مصدر دخل، لكنه الآن يريد إعادة الذهب لأصحابه، ويستلزم الأمر منه دفع حوالي 18 ألف دولار، وهو ما ليس بمقدوره تلبيته الآن.

شراء الذهب ليس للتفاخر في سوريا؛ فهو وسيلة لتأمين الأسرة في وقت الحاجة، فلا تمتلك زوجة عزيز الآن نفس الذهب الذي اشتراه لها وقت زفافهم، بل تغيّر مع بيعه عدة مرات وقت الحاجة، أما الآن، فحتى الشباب لا يستطيعون ذلك، فلم يعد حتى الأهل يقدرون طلب نفس جرامات الذهب التي كانت تُطلب قبل نحو 20 عامًا، فأصبح الشاب يسعى جاهدًا لشراء خاتم خطبة أو إسوارة، يساعده بعض الأقارب على شرائها للزواج.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان