"لسه قادر أكمّل".. حكاية "صلاح حسن" طحان الشرقية العنيد الذي قاوم التغيير بـ"إيد واحدة" -صور وفيديو
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
الشرقية - ياسمين عزت
في ركنٍ بسيط بقرية بمحافظة الشرقية، وفي مشهد بات نادرًا في أيامنا الجارية، لا يزال صوت ماكنة الطحين يعلو فوق ضجيج التغيرات، بعمل دؤوب يشقى فيه رجل بسيط يدعى "صلاح حسن"، يبلغ من العمر 63 عامًا. وجهه يحمل ملامح الزمن، وجسده أنهكه التعب، لكن عينيه لا تزالا تلمعان بالعزيمة، وكأنهما تقولان: "لسه قادر أكمّل"، وذلك على الرغم من فقد راحة يده اليمنى في عمله الشاق الذي يبدو للعيان بسيطا.
روى العم صلاح أنه لم يكمل تعليمه، إذ لم يكتب له أن يتجاوز المرحلة الابتدائية. "ماكانش فيه وقت.. كنت لازم أساعد في البيت و اشتغل واجيب قرش مع أبويا"، في إشارة منه إلى التصاق اسمه بماكينة الطحين، لم يعرف غيرها، ولم يتقن سوى تفاصيلها الدقيقة التي لا يفهمها إلا من ورث الحرفة قلبًا وقالبًا.
يصف صلاح عمله بدقة تُظهر مدى إتقانه الصنعة: "مش أي حد يشتغل على المكنة.. دي صنعة فيها جانب فني، الحجر اللي بنشتغل بيه بنجيبه من الجبل، ولازم يتعامل معاه بحرص.. غلط بسيط ممكن يصيبك أو يبوّظ المكنة".
ويتوقف لحظة ثم يقول: "مكنتش أعرف غيرها، وهي اللي فتحت بيتي وزوجتني وربت أولادي وزوجتهم، وإيدي اتبترت فيها رغم حرفيتي في العمل ورجعت كملت شغل فيها رغم الإصابة. مفيش شغلانة أفهمها زي دي".
لم تكن الحياة سهلة، لكنه اختار أن يصنع طريقه بنفسه، من عمله البسيط، استطاع أن يُعلّم بنتين، أدخلهما مدارس دبلوم تجاري وفني، وزوّجهما من عرق يديه، ويفتخر اليوم بأن له أحفادًا يعيشون حياةً أفضل مما عاش هو.
لكن بمرور السنوات، تغيّر كل شيء، يضيف: "زمان كانت الناس كلها بتيجي تطحن هنا، الفلاحين بيجيبوا الغلّة ويقفوا بالدور. كان الفلاح بيتكسف يشتري العيش من المدينة، دلوقتي كل واحد بيروح يشتري العيش من المخبز وخلاص والدولية ريحت الفلاحين على الاخر".
فتح المخابز وانتشار الخبز المدعوم سحب البساط من تحت أقدام الطحانين القدامى، ومع تقلص الزراعة في الريف، قلّ الطلب على طحن الغلال، إلا أن صلاح لم يغلق المكنة، ولا يفكر أن يعتزل - حسب حديث العم صلاح.
في عيني صلاح لمعة اعتزاز وهو يتحدث عن الماكينة: "دي مش بس حديد وحجر.. دي فيها عمري، عرقي، شقايا.. وكل يوم بقف جنبها، بحس اني لسه نافع، ورغم قلة الإقبال من الزبائن إلا إننا بنقاوم ونشتغلها وفاتحين لأي فلاح أو زبون يفكر يرجع أيام الخير وأيام زمان".
ورغم تراجع العمل، لا تزال بعض العائلات الريفية تأتي إليه بطحين الذرة والقمح، متمسكة بجودة الطحين البلدي، وبماكينة تقليدية تحافظ على نكهة الأجداد.
يرى صلاح، أن ماكينته ليست ملكه وحده، بل تراث يجب الحفاظ عليه، وشاهد صادق على تغير ملامح الريف المصري.
في ختام الحديث، قال صلاح بنبرة مزيج بين الحكمة والتحدي: "اشتغلت بشرف، وكفيت بيتي، وطلّعت عيال متعلمين.. تعبت كتير، بس أنا راضي. نفسي الناس ترجع تقدّر الصنايع دي، قبل ما تختفي ويتعلموها من أربابها لأنها مهما قلت في ناس محتجاها ومصر متستغناش عنها".
فيديو قد يعجبك: