طلقها عشان بتخلف بنات والنتيجة مهندسة ومدرسة وصيدلي.. "ميرڤت" تكتب قصة أمومة استثنائية بالشرقية
ميرفت
الشرقية -ياسمين عزت:
في قلب محافظة الشرقية، حيث تتشابك حكايات الكفاح والأمل، تبرز قصة "ميرفت"، بائعة الجرجير البسيطة، كأنشودة أمومة فريدة وشهادة حية على قوة الإرادة التي تتحدى قسوة الظروف، فبعد أن تخلى عنها زوجها وهجرها بسبب إنجابها للإناث، وجدت نفسها وحيدة ومسؤولة عن تربية بناتها، فكرست حياتها لتعليم 4 أبناء، وبعزيمتها الصلبة استطاعت أن تراهم يتخرجون في كليات الصيدلة والهندسة والتربية والسياحة والفنادق.
بدأت قصة كفاح "ميرفت" عندما بلغت الخامسة عشر من عمرها، بعدما التقت بشريك حياتها، الذي وصفته بـ "حبيب العمر"، وتكللت قصة حبهما بالزواج وسط مباركة عائلتيهما المتواضعتين، وعاش الزوجان سنوات أولى هانئة، تغمرها المودة والاستقرار، لكن سرعان ما عصفت رياح الخلافات بحياتهما الهادئة بسبب إنجاب البنات.
تسترجع "ميرفت" تفاصيل البداية قائلة: "تزوجت عن حب، وكنت أعمل بجانب زوجي الذي كان يعمل في مهن مختلفة لتلبية احتياجاتنا فتارة كان صنايعي ميكانيكي وأخرى عاملا، وكانت حياتنا بسيطة وهادئة، لكن الفرحة الأولى باستقبال ابنتهما الأولى لم تدم طويلًا، فسرعان ما همس الزوج في أذنها بكلمات حملت بذور الشقاق: "المولود الجاي ولد"، وكأن نوع الجنين قرار بيدها، مرت الكلمات مرور الكرام على مسامع الزوجة المشغولة بفرحة الأمومة.
بعد عامين أو ثلاثة، استقبلت "ميرڤت" مولودتها الثانية، وهنا بدأت الشرارة الأولى للخلافات، استنكر الزوج وأخذ يعاتبها بحدة: "قلت لك الولادة الجاية ولد مش بنت!" تغيرت معاملته جذريًا، وأصبح يهجر المنزل لأيام طويلة، متجاهلًا مسؤولياته تجاه أسرته.
وفي محاولة يائسة للحفاظ على كيان أسرتها، قررت "ميرڤت" أن تنجب مرة ثالثة، علّها تضع صبيًا يرضي رغبة زوجها، لكن القدر كان يحمل مفاجأة أخرى، فاستقبلت الأم مولودتها الثالثة، فانفجر غضب الأب، وكلماته كانت بمثابة حكم بالطلاق على الزوجة البائسة.
اشتدت الخلافات، لكن "ميرڤت" توسلت إليه، مؤكدة على حاجة بناته إليه، لم تتوانَ لحظة عن العمل والسعي لتوفير احتياجات بناتها، وتحملت أعباء المنزل كاملة كي لا تثقل كاهلهن، وبمرور السنوات، حملت "ميرڤت" للمرة الرابعة، وكانت العلاقة بينها وبين زوجها وصلت إلى طريق مسدود، قرر الزوج الرحيل عن حياتهما نهائيًا قبل حتى أن يعرف نوع الجنين الذي لم يرَ النور بعد، توسلته الأم المكلومة للعودة أو حتى الإنفاق على بناته، لكن دون جدوى.
لم تستسلم "ميرڤت" لقسوة الظروف، واتخذت من التحدي سبيلاً، ورغم فقرها المدقع وقلة حيلتها، عملت بجد واجتهاد، وبدأت بالتجارة في الخضروات برأس مال ضئيل، واستقر بها الحال في بيع حزم الجرجير والبقدونس، ومع انقطاع زوجها التام، ازداد إصرارها على توفير لقمة العيش لأبنائها.
بعد شهور، وضعت "ميرفت" مولودها الرابع، وكان ذكرًا للمرة الأولى، لكنها آثرت إخفاء الخبر عن والده، واستمرت في كدها وسعيها لتعليم أبنائها، وألحقتهم جميعًا بالمدارس الحكومية، وبعد سنوات من الجهد المضني، حصدت ثمار تضحياتها، حيث تخرج أبناؤها فى كليات الصيدلة والهندسة والتربية والسياحة والفنادق، وشغلوا جميعًا وظائف مرموقة.
في ختام حديثها لـ"مصراوي"، أكدت "ميرڤت" أنها عانت الكثير في رحلة حياتها التي بدأت بالخذلان، لكن عناية الله كانت تحيط بها وبأسرتها حتى عبروا بر الأمان، وعندما أصيبت بمرض السرطان في بداية الخمسينيات من عمرها، كان لأبنائها الدور الأكبر بعد الله في شفائها، حيث وقفوا بجانبها سندًا وداعمين حتى تعافيها، وبابتسامة رضا قالت: "أبنائي هم الثمرة الطيبة التي زرعتها، ودعم كبير من الله. كل ما غرسته فيهم من قيم ومخافة الله، أحصده اليوم راحة وهناء."
فيديو قد يعجبك: