إعلان

من السجن إلى البراءة.. حكاية موظف اتهموه بالمليار وبرأه القانون في أكبر قضية جمارك

09:20 م الخميس 15 مايو 2025

المحامي ميشيل حليم دفاع المتهم

كتب - محمد شعبان:

في صباح عادي من عام 2024، عاد "السيد عبد الجليل" إلى مصر قادمًا من السعودية لقضاء إجازة قصيرة بعد سنوات من العمل موظف مبيعات في شركة شحن إلا أنه لم يعلم بأن هذه العودة ستقلب حياته رأسًا على عقب.

بمجرد وصوله، فوجئ بقوات الأمن تلقي القبض عليه كونه مطلوبًا للعدالة. الرجل المسن مُدان بحكم غيابي بالسجن 10 سنوات صادر ضده في قضية تحمل رقم 1002 لسنة 2018 جنايات نويبع، والتهمة الاشتراك في تزوير جوازات سفر وتوكيلات رسمية ضمن شبكة تهريب جمركي قدرت خسائرها للدولة بحوالي مليار جنيه.

"نظرية السماسرة".. الحيلة التي فجّرت القضية

التحقيقات كشفت أن شركة الشحن التي يعمل بها عبد الجليل – وهي شركة سعودية يعمل بها عدد من المصريين – كانت مسرحًا لنظرية احتيالية سُميت بـ"نظرية السماسرة".

الخطة تعتمد على استغلال جوازات سفر وتوكيلات مزورة لشحن بضائع من السعودية إلى مصر، رغم أن القانون السعودي يمنع الشحن بعد شهر من مغادرة الشخص ويشترط توكيلًا رسميًا لمستخلص جمركي.

لكن عندما بدأت بلاغات من مواطنين يتلقون إشعارات جمركية رغم أنهم لم يغادروا البلاد قط، انكشفت الكارثة وأمكن ضبط 10 جوازات وتوكيلات مزورة لتبدأ خيوط أكبر قضية تزوير جمركي تتكشف في ميناء نويبع.

لجنة وراء لجنة.. حتى السقوط

مباحث الجمارك بدأت التحقيقات وشكلت لجنة خماسية للفحص ثم تدخلت النيابة العامة وشكلت لجنة سباعية لفحص اللجنة الأولى، لتظهر المفاجأة الأكبر.

أعضاء من اللجنة الأولى متورطون بالتستر والتدليس، وبعضهم على علاقة بسماسرة ومستخلصين جمركيين في شبكة تهريب جمركي بلغ إجمالي أعمالها نحو مليار جنيه.

وأمام كل هذه المخالفات، أحالت النيابة العامة 22 متهمًا للمحاكمة من بينهم المتهم الخامس "عبد الجليل" الموظف البسيط الذي كان خارج البلاد طوال مدة الجريمة.

وأسندت النيابة لهم 3 اتهامات هي: تزوير أوراق رسمية، تهرب جمركي واستيلاء على المال العام وتزوير مقررات جمركية.

محاكمة شاقة في قضية الـ5 آلاف ورقة

قضية معقدة دامت لأكثر من 7 سنوات داخل أروقة محكمة طور سيناء. تغيرت خلالها دائرة المحكمة مرتين، وحُجز الحكم أربع مرات لـ"دقة الفحص"، ما أثار تساؤلات حول الغموض الذي يلف القضية.

لكن مع دخول المحامي ميشيل حليم، بدأت الأمور تتغير. حصل "عبد الجليل" على إخلاء سبيل، وبدأ الدفاع يفند الاتهامات بندًا بندًا ليقلب موازين القضية 180 درجة.

انهيار رواية الاتهام

مذكرة دفاع المتهم الخامس حملت العديد من المفاجآت تغيرت معها نهاية القصة، أولها أن التحريات أجريت على شخص خارج مصر بلا اختصاص كما أن الضابط مجري التحريات تولى الملف بعد 5 سنوات من بدء التحقيقات دون جدوى.

المفارقة الأغرب، أن التحريات خالفت الأوراق الرسمية، فالضابط لم يكن يملك أي معلومة صحيحة عن المتهم (الاسم والرقم القومي) إضافة إلى بناء اتهامه على أنه مدير لشركة الشحن السعودية في حين أن الدفاع حصل على إفادة رسمية تثبت العكس.

المحامي ميشيل حليم أثبت أن موكله مجرد موظف مبيعات وليس مديرًا أو مالكًا للشركة، كما أن القانون السعودي لا يسمح للمصريين بامتلاك الشركات، ما ينفي الادعاء بأنه صاحب الشركة.

كما أن أحد المستخلصين الجمركيين اعترف زيفًا بعلم المتهم بتزوير جوازات السفر والتوكيلات بينما تضاربت أقواله أمام النيابة العامة وهيئة المحكمة.

استنتاجات حاسمة انتفى معها الركن الأساسي للاتهام سواء التزوير أو الاستيلاء على المال العام كما أغفلت النيابة العامة إحالة صاحب شركة الشحن بدلا من موظف المبيعات البسيط الذي بلغ من العمر عتيا دون نقطة سوداء في ملفه الوظيفي طوال رحلته المهنية.

دفوع قوية سقطت معها شهادة الاتهام، واحدة تلو الأخرى.

كلمة الفصل

في النهاية، أسدلت المحكمة الستار على واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في تاريخ الجمارك، وقضت بـبراءة المتهم الخامس "عبد الجليل" واستندت المحكمة إلى انتفاء العلم، والمصلحة والركن المادي والمعنوي للجريمة.

ففي عالم القانون، لا تكفي الشبهات، ولا الافتراضات، ولا حتى اعترافات مدفوعة. ما يحسم الأمور هو الدليل. والدليل قال: عبد الجليل بريء.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان