إعلان

سر أيقونة العذراء ومكان دفن البابا.. قصة كاتدرائية سانتا ماريا ماجوري

02:33 م الخميس 24 أبريل 2025

البابا فرنسيس أمام أيقونة العذراء- كاتدرائية سانت

- مارينا ميلاد:

لأكثر من مائة وعشرون مرة، في مناسبات وصلوات عدة، قابل البابا الراحل فرنسيس أيقونة العذراء العتيقة والمميزة لكاتدرائية سانتا ماريا ماجوري. كان على يقين أنها تنظر إليه دائمًا كما اعتقد كل من مر عليها في روما.. فحدق بها وتأملها طويلا منذ صباح اليوم الأول في منصبه، وقبل وبعد كل رحلة، ومع كل لحظة مهمة. فلم يرغب أن يفارق مكانها أبدًا.

لدرجة أنه اختار ذات يوم مساحة فارغة بالكاتدرائية نفسها لتكون ضريحه الذي سيستقر فيه للأبد بداية من السبت المقبل.. سينطلق إليها من مكانه الأساسي بكاتدرائية القديس بطرس، التي كان يفترض أن يرقد بمغارتها السفلية كمعظم أسلافه، إن لم يخالف التقليد كما اعتاد في حياته ويوصي بدفنه في "سانتا ماريا ماجوري".

نحو قمة تلة إسكويلين، حيث الكاتدرائية الراسخة بأعلى نقطة بالمدينة، سيسلك بابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي كان يرأس نحو 1.4 مليار كاثوليكي في العالم، رحلته الأخيرة، كما فعلها سبع باباوات قبله ودفنوا بها منذ أكثر من ثلاث قرون.

لم يبتعد البابا الأرجنتيني طويلا عن مكانه المفضل وأيقونة العذراء المحاطة بتماثيل الملائكة ذات اللون الذهبي، فزارها قبل أيام قليلة من وفاته عن عمر 88 عامًا، على أعتاب أسبوع الآلام، وهو جالس على كرسيه المتحرك. فلم يحول تعبه وتعليمات الأطباء بالراحة بينهما، مثلما لم يمنعوه عن الظهور والصلاة خلال احتفالات عيد القيامة الأخيرة وتحية الحشود.

وهذه الكاتدرائية التي أسس جذورها البابا ليبيريوس (بابا الكنيسة الكاثوليكية) بالقرن الرابع، وأعيد بناءها بالقرن الخامس، ثم توسعت في القرون اللاحقة لتصبح كاتدرائية ضخمة، سيطرت على روما إلى حد كبير، فهي واحدة من أربع كنائس بابوية بها.

فتحكي الأسطورة المصورة على الجداريات الملونة والمتداولة بقوة في رواق الكنيسة، "عن معجزة تساقط ثلوج بيضاء في هذا الموقع"، وقت بناء الكنيسة، إذ "في ليلة 5 أغسطس 358، ظهرت السيدة العذراء في المنام للأرستقراطي الروماني جيوفاني وزوجته. وعدتهما العذراء بأنها ستحقق رغبتهما في إنجاب طفل.. فذهب الزوجان لزيارة البابا ليبيريوس الذي أخبرهما أنه رأى نفس الحلم. وبينما كانا يغادران، رأى الزوجان أن جزءًا من تلة إسكويلين كان مغطى بالثلوج. وباستخدام عصاه، حدد البابا محيط المكان الذي كان من المقرر أن يبني فيه الزوجان الكنيسة".

وتلك ذكرى يتم إحياؤها كل عام، يوم 5 أغسطس، باحتفال مهيب.

وأسفل سقفها المُزخرف بالخشب المذهب وأعمدتها التي تشبه المعابد والقصور الرومانية ومصنوعة من رخام تشيبولينو، طلب البابا فرانسيس في وصيته الأخيرة "أن يدفن بها بشكل بسيط، دون أعمدة ولا زخارف"، فقط اسمه باللغة اللاتينية: "Franciscus".

شرع الكرادلة في تنفيذ وصيته. ووضعت صورتـه وهو مبتسم جوار أيقونة السيدة العذراء، التي لم يترك فرصة إلا ويتحدث عن "تأثره بها، وتعلمه من إخلاصها، والحب الذي ينمو في صمت".

وأمام الأيقونة، بدأت الصلاة خافتة مساء. وفي خارجها أيضًا، بالساحة والشوارع المحيطة التي امتلأت بالناس، وكأن روما المزدحمة الصاخبة، صمتت وحزنت للحظات، وتأمل أهلها في سيرة هذا الرجل.. فتقول إحدى النساء الحاضرات: "نحن مجتمعون هنا عند قدمي العذراء مريم، للصلاة من أجله، لقد أحببناه كثيرًا".

يتلو الكاردينال رولانداس ماكريكاس (النائب المساعد في الكنيسة) الصلاة، ثم يقول بعدها "إننا جميعًا نشعر بالحزن والأسى لرحيله، لكننا على يقين أيضًا بأن الله سيفتح له أبواب الأبدية"، ويكمل عليه الكاردينال ريلكو، مختتمًا الصلاة بدعاء: "يا مريم العذراء، امسحي دموعنا، وواسي آلامنا".

وعلى الجانب الآخر، كان أخرون يكتبون كلماتهم له داخل كتاب موضوع جوار ما يسمى "الباب المقدس" بالكاتدرائية: "عزيزي البابا فرانسيس، ساعدني في تحقيق أحلامي"، هكذا يكتب أحد الشباب، الذي جاء من إسبانيا لقضاء عطلة العيد مع عائلته.

قبل 12 عام، وقف البابا فرنسيس مكان هؤلاء في اليوم التالي لتوليه منصب البابا، كأول بابا من أمريكا اللاتينية، ثم توالت وقفاته أمام أيقونة السيدة العذراء، بالجزء الأيسر لكنيسة بولين، قلب مخطط البناء المعقد للكاتدائية، حيث صلى أيضا من أجل نهاية جائحة فيروس كورونا عام 2020، مثلما فعل البابا غريغوري الأول (590-604 ميلادي) عندما صلى أمامها راجيًا رفع الطاعون، بحسب ما نقلته الروايات المسجلة بالكنيسة آنذاك.

وحول الأيقونة المبجلة، زُيّنت هذه الكنيسة (بولين) بأكملها برخام ملون ثمين وبلوحات جدارية، وصولاً إلى منطقة القبة، التي تزداد أناقتها كلما اقترب الشخص من المذبح عند أيقونة العذراء.. صممها جيرولامو راينالدي، وهي مغطاة بطبقة موحدة من اللازورد تُحاكي سماءً غائمة وبوابة سماوية.

وقبل الوصول إلى مدخلها، التقى البابا كثيرًا بتمثال مريم العذراء، ملكة السلام، ووجد خلفه مباشرة، تجويف صغير، باب يؤدي إلى غرفة كانت تُخزَّن فيها الشمعدانات. فقال حينها، حسبما حكي بعد ذلك: "هذا هو المكان"، في إشارة إلى المكان الذي سيُدفن فيه.

وهذه الأيام، يستعد جثمانه للذهاب إلى هناك. فعلى وقع الصلوات، سار الموكب بإيقاع بطيء، أمس الأربعاء، حاملا جسد البابا، إلى داخل كاتدرائية القديس بطرس، مكشوفًا لإلقاء نظرة الوداع عليه لثلاث أيام قبل مراسم الجنازة والدفن التي ستُقام السبت، وسيحضرها عشرات الرؤساء والشخصيات الملكية.

وظهر البابا أمام الجموع في رداء أحمر وعلى رأسه تاج أسقفي أبيض وبين يديه مسبحة، ولم يُعرض على منصة، بناء على طلبه بطقوس جنائزية بسيطة ومتواضعة.

وودعه في اليوم الأول فقط، أكثر من 19400 شخص، حسبما أعلن الفاتيكان. وبالأساس، فهذه السنة هي "سنة مقدّسة للكنيسة الكاثوليكية تحلّ كل ربع قرن"، ويتوافد خلالها الملايين إلى المدينة الصغيرة.

ثم سيوارى البابا الثرى في كاتدرائية سانت ماريا ماجوري، سيكون مكان البابا الجديد والأخير قريب من الأيقونة المريمية المصنوعة من خشب الأرز، والتي على الأغلب صنعها القديس لوقا الإنجيلي، وقدم لها الباباوات العديد من التبرعات كالتيجان، معبرين بهذه الطريقة "عن امتنانهم للعذراء وثقتهم بها خلال التحديات"، وهو ما أظهره البابا فرنسيس، في أخر دعواته قبل أيام، "في الذكرى الثانية لاندلاع الصراع في السودان، صراخ آلام الأطفال والنساء والضعفاء يعلو إلى السماء ويتوسل إلينا لكي نتصرّف.. ونتذكر لبنان أيضًا، وليحل السلام في أوكرانيا وفلسطين.. فلتنل لنا مريم العذراء، الأم الحزينة، هذه النعمة ولتساعدنا".

يمكنك التجول داخل الكاتدرائية بتقنية 360 درجة.. اضغط هنا (الرابط الأول).. (الرابط الثاني).. (الرابط الثالث)

مصادر المعلومات:

- موقع الفاتيكان

- موقع كنيسة سانت ماريا ماجوري

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان