250% زيادة في "تصنيف الخطر".. هكذا يموت سكان غزة جوعًا
تصميم توضيحي
-مارينا ميلاد:
من بين 166 مليون شخص في العالم يواجهون الجوع، وفقًا لتصنيف مراحل الأمن الغذائي (IPC)، يعاني سكان غزة – البالغ عددهم نحو مليوني نسمة – بأكملهم من "مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد"، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة وجهات دولية.
هذا التصنيف، وهو تجمع يضم وكالات الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات غير الحكومية، جعل وضعهم يرتقي إلى حد التحذير من "خطر المجاعة" بعد 19 شهرًا من الحرب الإسرائيلية على القطاع والنزوح الجماعي والقيود الشديدة على المساعدات الإنسانية.
و"خالد" ذو الثمانية أشهر، والذي يعيش في خيمة مع أمه بخان يونس، هو واحد من هؤلاء السكان. وقد وُلِد في شهر أغسطس الماضي، أي بعد 10 أشهر من الحرب، وهو يعاني أساسًا من سوء تغذية ووزن أقل بكثير من الوزن الصحي.
وعندما أتم "خالد" ستة أشهر، لم تتحسن صحته ولم يصل وزنه إلى المعدل الطبيعي في أي وقت، كما تقول والدته "دارين". ثم فرضت إسرائيل حصارها الأطول على غزة، فلم يدخلها حليب أو احتياجاته من الطعام والدواء بعد منع دخول المساعدات منذ 2 مارس الماضي.
وتكمل الأم، وهي تبكي: "نصيب خالد أسوأ من إخوته الثلاثة، فلم يحصل على طعام جيد لا قبل ولا بعد ولادته"، فهي تجد صعوبة كبيرة في إرضاعه، في وقت لم تتناول فيه لحمًا أو دجاجًا منذ شهور الحرب الأولى.
وبحلول هذا العام، كان "خالد" ضمن 60 ألف طفل يحتاجون إلى العلاج العاجل من سوء التغذية الحاد، وفقًا لتقدير الوكالات الأممية، والتي تتوقع أن يزيد عددهم خلال الفترة المقبلة إلى 71 ألف طفل وأكثر من 17 ألف أم.
ويتضور "خالد" وأسرته جوعًا هذه الأيام، بينما لدى برنامج الأغذية العالمي ما يكفي من الغذاء المصطف على الحدود لإطعام أكثر من مليون شخص لمدة أربعة أشهر، وفقًا لما ذكرته سيندي ماكين (المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي). وتقدر هذه الكمية بأكثر من 116 ألف طن متري من المساعدات الغذائية.
وتكمل: "ومع ذلك، لا يمكننا إيصاله إليهم بسبب تجدد الصراع والحظر التام للمساعدات".
وقد تم إغلاق المعابر الحدودية إلى غزة لأكثر من شهرين - وهي أطول فترة إغلاق يواجهها السكان على الإطلاق – بالتزامن مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي جرى في يناير الماضي. فتسبب ذلك في ارتفاع أسعار المواد الغذائية المتبقية في الأسواق إلى مستويات عالية، حيث وصل سعر كيس الدقيق 25 كجم إلى أكثر من 400 دولار تقريبًا، وحتى الطوابير الطويلة لاستلام القليل من الطعام، والتي كان من المعتاد رؤيتها خلال أشهر الحرب، "اختفت الآن"، حسب شهادات تلقيناها من السكان.
وقد استنفد برنامج الأغذية العالمي آخر مخزوناته الغذائية لدعم مطابخ الوجبات الساخنة للعائلات في 25 أبريل الماضي. وقبل أسبوع، أغلقت جميع المخابز الـ 25 المدعومة من البرنامج بسبب نفاد دقيق القمح ووقود الطهي.
وسط ذلك، تحاول "دارين" كل يوم لملمة الطعام من التكايا أو مراكز التوزيع كالعدس أو بقايا معلبات لتطعم أولادها، وتنقذهم من مصير 57 طفلاً توفوا من تبعات سوء التغذية منذ فرض هذا الحصار الأخير، بحسب وزارة الصحة بغزة.
وفي كثير من الأحيان، لجأت إلى إطعام طفلها أعلافًا مجففة مخلوطة بالمياه، ما تسبب في إصابته بالإسهال.
وفي غضون ذلك، خرجت خطة أمريكية بشأن توزيع المساعدات، أعلنها مايك هاكابي (السفير الأمريكي في إسرائيل)، فأشار إلى إمكانية عمل مراكز للتوزيع تقدّم الغذاء وغيره لقُرابة مليون شخص مبدئيًا، على أن يتم ذلك تحت حماية "متعهدين أمنيين"، في إطار محاولة لمنع حركة حماس من "سرقة المساعدات"، حسب وصفه، وهو الاتهام نفسه الذي توجهه إسرائيل لـ"حماس" طوال الوقت.
وأشار إلى أن "القوات الإسرائيلية ستؤمّن محيط مراكز التوزيع".
وسرعان ما انتقدت الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية تلك الخطة وغيرها من المقترحات الإسرائيلية، فحذرت من استخدام المساعدات "كطُعم لإجبار السكان على النزوح". وقال جيمس إلدر (المتحدث باسم اليونيسف)، إن الخطة التي تعرضها إسرائيل تحرم الفئات الأضعف التي لا تستطيع الوصول إلى المناطق العسكرية المقترحة من المساعدات، وتُعرّض أفراد عائلاتهم لخطر الاستهداف أو الوقوع في مرمى النيران المتبادلة أثناء تنقلهم من وإلى هذه المناطق.
فهو، في رأيه، "خيار مستحيل بين النزوح والموت".
ولم تصدق والدة "خالد" أن أي خطط إسرائيلية من شأنها مساعدتهم، لكنها في الوقت نفسه، ستذهب باتجاه أي شيء يمكنه سد رمقها وأولادها، كما تحكي. فتقول: "شعور الجوع المرافق لنا كل يوم، جعلنا نتذوق الموت، نحن نموت ببطء".
فالشيء الوحيد الذي يدخل إليهم بغزة الآن "هو القنابل، فيما تم حظر كل ما يلزم لبقاء الطفل على قيد الحياة"، وفقًا للمتحدث باسم اليونيسف.
وإن بقى "خالد" على قيد الحياة، فسيتأثر نموه، فبحسب خبراء التغذية باليونيسف، "فقدان الطعام اللازم خلال السنوات الأولى من حياة الطفل يمكن أن يسبب أضرارًا طويلة الأمد".
وبينما تصنف منظمة "أنقذوا الأطفال" "خالد" ضمن مليون طفل في غزة يواجهون خطر المجاعة على أرض الواقع، ويقترب من هذه المرحلة رسميًا وفقًا لتصنيف الأمن الغذائي الذي يستغرق أشهر، فتقول سيندي ماكين (المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي): "إن انتظرنا إعلان المجاعة رسميًا، سيكون الوقت قد فات بالفعل بالنسبة للكثير من الناس".
لذا تختم الأم حديثها بأنها "باتت تنتظر الموت كل يوم مع زيادة وتيرة الغارات الإسرائيلية"، وهو ما تعتبره "أفضل من هذا الوضع".
اقرأ أيضا:
منطقة عازلة و1300 عملية هجوم والحصار الأطول.. ما حدث في شهر بعد عودة حرب غزة؟
فيديو قد يعجبك: