إعلان

محمد رمضان وشهوة النجومية اللامسئولة

د. أمــل الجمل

محمد رمضان وشهوة النجومية اللامسئولة

د. أمل الجمل
06:15 م الخميس 17 أبريل 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مؤكد أن هناك مبالغة كبيرة في ردود الفعل تجاه ارتداء محمد رمضان بدلة رقصة، في حفلته الأخيرة في أمريكا. كذلك، المطالبة بتقديمه للمحاكمة أو رفع دعاوي قضائية ضده أمر مبالغ فيه، وقد يستخدم كسلاح ضد الفن الجيد في أي وقت بدعوى الأعراف، والقيم المجتمعية، واسم مصر.

صحيح أن التصرف صادم. مع ذلك، شخصياً، لا أرى أن ما فعله رمضان يٌعد جريمة، فهناك على مدار تاريخ السينما المصرية ممثلون رجال ارتدوا بدل رقص أو ملابس نساء، في أداور متباينة، بعضهم تنكر في ملابس امرأة بهدف درامي مبرر، وبعضهم كان يرغب في استدرار ضحك الجمهور، والحفاظ على نجومية زائفة بطريقة مبتذلة.

إذاً، السياق الدرامي الذي تم فيه ارتداد الملابس يلعب دوراً في التقييم، وهو أمر كان يجعلني أتساءل عند رؤية بعض هؤلاء النجوم: ماذا تريد؟ هل إثبات أنك ممثل؟ أم تريد أن تُصبح المهرج «الرقاصة». القضية تكمن فيما تريد تحقيقه؟ وماهية الثمن المدفوع؟

هل هذا يعني إعفاء محمد رمضان من المسئولية؟ وهل يعني ذلك أنه لم يخطئ؟ وهل حقاً أساء إلى مصر؟

للإجابة على ما سبق أستعيد فيلم بولندي اسمه «وجه» أو Twarz - كما في لغته الأصلية. شاهدته عند عرضه العالمي للمرة الأولي في مسابقة «برليناله»، والذي حصد الدب الفضي - جائزة لجنة التحكيم الخاصة - عن جدارة واستحقاق.

رغم أنه من إنتاج ٢٠١٨ لكني أتذكر جيداً بعد أن خرجنا من الفيلم وقفت أحتسي فنجاناً من القهوة وأنا أتحدث بإعجاب شديد - مع أحد زملاء المهنة - عن الفيلم، وبدايته المروعة درامياً البارعة فنياً، إذ يبدأ بمشهد - كان في نظري - إبداع بكر ينطوي على كوميديا سوداء، تنتقد الرأسمالية التي تجعل الإنسان في العصر الحديث على استعداد لفعل أي شيء، مهما كان رخيصاً أو مبتذلاً. فعلق زميلي قائلاً: هناك مقولة مشهورة - ذات دلالة رمزية - متداولة في أوروبا تصف المواطن البولندي بأنه «أسرع إنسان يخلع بنطاله».

أما المشهد المقصود بالفيلم فهو عبارة عن: رجال ونساء من مختلف الأعمار يقفون في الجو القارص البرودة في الصباح الباكر، أمام متجر للأدوات الالكترونية، ينتظرون أن يفتح أبوابه، ثم يأتيهم صوت من الميكروفون يقول: أي شخص يمكنه الدخول والحصول على كل ما يريد من شاشات للتلفاز، أو أي أدوات إلكترونية أو كهربائية بدون أن يدفع مليما وأحداً، لكن بشرط واحد فقط: أن يخلع كافة ملابسه ويبقى فقط بالسروال الداخلي.

وحين تٌفتح الأبواب ينطلق الناس نساء ورجال في حالة من الجنون، والجشع غير المعقول، نازعين ملابسهم بشكل هستيري، ويشتبكون في صراع لابد منه لأجل اختطاف أي شيء تطاله أيديهم.

ثم تكتمل رؤية صُناع الفيلم، المفخخة بالنقد الساخر من خلال رجل شاب سقط من أعلى تمثال العذراء، يتحطم وجهه، فيخضع لعملية زراعة وجه، أثناء ذلك يواجه مشاكل في الهوية، لنتأمل كيف سيتعامل معه المجتمع من حوله، سواء خطيبته، أو أسرته المقربة، ومحيط الجيران من حوله.

مصر أكبر من أي تصرف رخيص

إذاً، في تقديري الشخصي، أن عاشق وصف «نمبر وان» أخطأ في حق نفسه أولا وأخيراً. فهو لا يقدر على أن يسيء إلى مصر رغم أنه في إحدى اللقطات يلتحف بالعلم المصري وكأنه يتمسح في هذا الرمز، كأنه يحاول أن يُضيف قيمة إلى شخصه.

يغفل المهاجمون أن مصر ليست هينة لهذه الدرجة، مصر أكبر من ذلك بكثير، ولا يمكن لأي تصرف رخيص أو غير مسئول أن يُسيء إليها. مصر بلد حضارة يمتد تاريخها لنحو سبعة آلاف سنة، وحتى إذا مرت بفترات صعبة وكبوات فهي قادرة على تجاوزها. حتى في الزمن الصعب، سابقاً، أو حالياً هناك نماذج ومواهب حقيقية تُشرف اسم مصر، ولازال لمصر سحرها، فلا يمكن للناس التي تعشق محمد صلاح في العالم أجمع، أن تلخص مصر في رقصة مبتذلة تحت مُسمى الفن.

لذلك أرى أن: محمد رمضان أخطأ في حق نفسه أولاً وأخيراً. لأنه يكشف عن عدة أمور في مقدمتها: أن لديه مشكلة عميقة فيما يخص الهوية التي يريدها، والتأكيد على أن رمضان لديه جوع ونهم لا يتوقف للنجومية، إنه لا يشبع منها، وهذا سلاح ذو حدين، فمثلما هو مفيد للفنان لتطوير نفسه، لكن مشكلته أيضاً أنه يجعله مستعداً لفعل أي شيء يقوده للحفاظ على نجوميته وأن يظل في دائرة الضوء، سواء كان ذلك مستقيما أو غير مستقيماً، فهو على ما يبدو لا يتوقف مع نفسه للتميز بين أنواع النجومية. إنه مهوس بترديد اسمه، وأن يكون فقط مثار جدل ونقاش. لكنه غير مشغول بنوع الجدل، وغير مهتم بالتمييز بين الغث والسمين.

فهل يمكن أن ننسي صورته مع المغني الإسرائيلي عام ٢٠٢٠؟! والتعليق المرافق للصورة بأن «الفن دوما يجمعنا»؟!

رمضان وقتها لم يوفق في حساباته، وأعتقد أنه تم التغرير به وهو ابتلع الطعم بسبب شراهة الطموح للشهرة. مثلما تخيل مَنْ رتبوا لهذا الأمر- ممن عقدوا اتفاقات مع «أولاد العم» وتصالحوا معهم، فأصبح أولاد العم يسيرون في كل أرجاء الدولة، تجدهم على المطاعم والكافيات والمولات كأنهم احتلوا البلد - أن الفن قادر على أن يبني تطبيعاً شعبياً مع المصريين؟.

وهذا تفكير ساذج وقاصر في تقديري. لماذا؟ لأن اتفاقية كامب ديفيد لم تقدر على تحقيق التطبيع الشعبي؟ لماذا؟

لأن هناك دماء بيننا وبين أولاد العم. دماء أبنائنا وآبائنا وأجدادنا في عدة حروب، الشهداء الذين ارتوت بدمائهم الطاهرة رمال سيناء، دماء أطفال مدرسة في ٦٧ بحر البقر، دماء أهالي مدن القناة خصوصاً من قبل الهزيمة وطوال سنوات حرب الاستنزاف.

هذه الدماء لم ولن تجف، فيُعاد إحياء ذكراها يوم السادس من أكتوبر كل عام، مثلما يُجدد ذكراها مجموعة من أجمل المسلسلات والأفلام المصرية التي تعد من بين الأهم والأبرز في تاريخ الدراما المصرية والعربية، على سبيل المثال: دموع في عيون وقحة - رأفت الهجان - الطريق إلى إيلات - إعدام ميت - حكايات الغريب - أغنية على الممر - العصفور، وهناك أعمال أخرى وإن بمستوى فني تشوبه الملاحظات ومنه: الحفار - الثعلب - بئر الخيانة.

حتى فيلم «الممر» لشريف عرفة، الجزء الأول المنتج عام ٢٠١٩، ورغم ملاحظاتي عليه، لكني حضرته في دور العرض السينمائي مرتين لأتأمل حينها ردود فعل الجمهور من الشباب. كان يتجاوب مع كثير من مشاهد الفيلم التي يتفوق فيها المصريون على خصمهم، فترتفع الأيدي بالتصفيق الحماسي عدة مرات، وهو أمر كان يشي لي بوجود أحاسيس دفينة - حتى لو على هيئة شذرات لا تُرى بالعين المجردة - لكنها تدل على وجود جرح غائر يخص الدماء والحروب القديمة، والذي وإن بدا ساكنا لكنه مُؤلم. التصفيق الحماسي والتنهيدات كانت تُؤكد ذلك، وتؤكد أن ذلك الجرح لا يزال يقبع في الصدور من جراء تلك الهزيمة التي سجلت وقائعها على مدار ستة أيام فقط بدأتها يوم ٥ يونيو ١٩٦٧.

عودة إلي رمضان ومدافعه

إذاً، محمد رمضان - نمبر وان - والنجم الجماهيري، لم ينتبه إلى أن جماهيريته ليست مُطلقة، عرش نجوميته قابل لأن يهتز وأكثر، وأنه ليس معصوماً من النقد الجماهيري والاجتماعي، بسبب أشياء تخص اسم مصر، تخص تاريخ مصر، وكيفية تعامله مع خصوم مصر وأعدائها.

والسؤال: ألم يُتابع محمد رمضان توتر العلاقة بين مصر وأمريكا بسبب سياسات ترامب المنتهجة أساليب البلطجة، وضغوطه لأجل تهجير أبناء غزة إلى مصر، بينما مصر ترفض حفاظاً على حق الفلسطينيين في أرضهم؟.

ألم يسمع، أو يقرأ محمد رمضان شيئاً عن دور الفنان والتزامه الأخلاقي كجزء من المبادئ الإنسانية تجاه وطنه، وواجبه في دعم جهود قادة بلده ضد خصومهم؟ ألم يعرف ما فعلته أم كلثوم وعبد الحليم والفنانين والنجوم العظام - بحق - وقت الحروب التي خاضتها مصر، أو في أوقات الارتباكات السياسية مع خصومها.

فماذا فعل محمد رمضان؟ ذهب إلى أمريكا للمشاركة في مهرجان للموسيقى، ويا ليته فعل ليحمل راية الفن المصري، أو ليقدم عملاً نفخر به، آنذاك كنا جميعا سنصفق له ونهتف باسمه، لكنه للأسف ذهب مرتدياً زي يشبه بدلة الرقص؟ ألا يُدرك محمد رمضان أن ما فعله هو وقوع في فخ النمطية الغربية، فتلك هي الصورة الفلكلورية الأكزوتيك التي لايزال يري بها بعض من الغربيين مصر؟.

المصيبة الكبرى، أن ردود محمد رمضان تكشف عن نقص حاد في الوعي المعرفي، فهو يقول: «أريد أن أغيظهم»..؟! والسؤال: يقصد من؟ إنه يشي بأنه يحتاج إلى التعويض عن الفقر المعلوماتي، إذ يبدو أنه يصدق بعض ما يٌمنح له من معلومات دون التدقيق فيها. مثلاً مصممة الأزياء تخبره أنه الزي فرعوني فيصدقها ويردد كلامها دون تمحيص أو مراجعة، ثم يأتي رجال الآثار فينفون ويُكذبون قبل أن تظهر الحقيقة وأصل هذا الزي وتاريخه.

إذا كنت صحيح تريد أن تظل «نمبر وان» - وهذا كان متحققاً في «مدفع رمضان» - فعليك أن تراجع المعلومات بنفسك، من مراجع علمية موثقة، حتى قبل أن ترتدي بدلة الرقص، عليك أن تٌنشط حسك السياسي، والمجتمعي؟ عليك أن تتساءل عن دورك تجاه بلادك. لأجلك أنت ولأجل صورتك أمام جمهورك، ولأجل تاريخك.

سؤال آخر: هل يتذكر أحد كلمات الأغنية التي قدمها محمد رمضان في هذا المهرجان الأمريكي «كوتشيلا»؟!.

لقد تحدث الجميع فقط عن بدلة الرقص؟ فماذا سيبقى من محمد رمضان بعد الغياب المادي له؟!

لاشك أن محمد رمضان نموذجاً وحلماً لكثير من الشباب، وربما الشابات. لماذا؟ لأنه جاء من الطبقة الكادحة، وأصبح مشهوراً، وثرياً. صحيح هو مؤدي وممثل جيد جداً، يمتلك جاذبية، لكن ذلك ليس السبب الحقيقي وراء إعجاب الملايين به، السر الحقيقي وراء كل هذا الإعجاب أنهم يرون أنفسهم فيه، أنهم يحلمون بأن يصبحوا في نفس مكانته ووضعيته، لذلك كلما ظهر محمد رمضان، وكلما حقق نجاحاً يُعيد إليهم الأمل في أنفسهم، في أن يحققوا شيئاً، وأن يصبحوا فاعلين بعد أن عاشوا سنوات طويلة كمفعول بهم.

إذاً يقع على عاتق محمد رمضان مسئولية، كبيرة، فهو قدوة.

يُضاف إلى ذلك، أنه حينما يُسافر للمحافل الدولية فهو يحمل اسم مصر، ماذا يعني ذلك؟ ببساطة: قبل كل تصرف يقوم به، يجب أن يُفكر أولاً بينه وبين نفسه، بوضوح شديد، ويتساءل بشفافية: هل هذا يليق باسم مصر؟.

ألم يتأمل تصرفات الملك المصري، اللاعب المحترم محمد صلاح؟ من أين جاءت هذه النجومية؟ من مهاراته الرياضية وتركيزه في مهنته أولاً، يتوازى ذلك مع أخلاقه ومبادئه وسلوكه. الجوانب جميعها تسير بالتوازي، يصعب الفصل بينها. فهل يستطيع أحد التشكيك في نجوميه محمد صلاح القادم أيضاً من عالم المكافحين؟ بالطبع لا، وألف لا. إنه قدوة ونموذجاً مشرفاً يفخر به كل مصري وعربي.

إعلان

إعلان