إعلان

مهرجان تطوان لسينما المتوسط.. أين دعم القطاع الخاص مادياً ولوجستياً؟!

د. أمــل الجمل

مهرجان تطوان لسينما المتوسط.. أين دعم القطاع الخاص مادياً ولوجستياً؟!

د. أمل الجمل
01:06 م الأربعاء 23 أبريل 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

من دون شك كان خبر التأجيل صادماً، خصوصاً للذين يحضرون الفعاليات سنوياً، حيث عشرات الأطفال والبالغين - بٌناة المستقبل - من مختلف المراحل الدراسية، الذين تُنظم لهم العروض، وتُقام لهم ورش تدريبية، حيث المسجونين الذين تذهب إليهم العروض السينمائية وتقام من حولها نقاشات تُعطي المساجين لمحات مضيئة في الحياة والفنون فتٌهيأهم للمساهمة في المجتمع بأدوار فاعلة، حيث الوفود من كافة دول المتوسط تلتقي، تتبادل النقاش والأفكار والرؤي، حيث الأسر والعائلات تعود مرة أخرى إلي دور العرض السينمائي في مشهد كاد أن ينتهي بسبب انتشار التلفزة.

ربما لن يتأثر كثيراً برنامج وخطط بعض صناع الأفلام الأوروبيين المتوسطيين، لكن المؤكد أن الكثير من مخرجي الأفلام المغاربة، وصناع السينما العرب من محيط البحر المتوسط سوف يتأثرون، لأنه خلال فعاليات هذا المهرجان شديد التميز والخصوصية - رغم التخلي عن كافة مظاهر البهرجة أو المغالاة - كان أبناء وبنات مدينة تطوان ومرتيل ومدن أخرى مجاورة يُشاهدون مجموعة من أحدث إنتاجات السينما المغربية والعربية والأورومتوسطية، فيلتقون بصُناعها، تدور بينهم نقاشات خصبة في أجواء من الفرح والبهجة. فالسينما فن بصري يخلق حوار تفاعلي حضاري.

حزن وغصة

كذلك ضيوف المهرجان خصوصاً ممن لديهم مشاريع ومساهمات ضمن الورش، مؤكد، أصابهم الحزن لهذا التأجيل، لأن هناك دوما فرصة لعقد علاقات وتشبيكات مع منتجين أو مخرجين أوروبيين من محيط المتوسطي، فرصة للفوز بمنحة أو جائزة، بنزاهة وصدقية واحترافية عالية بعيدة عن أجواء الشللية والمحسوبيات والأجندات السياسية التي تُوصم بعض المهرجانات الأخرى.

مؤكد أيضاً أن الصحفيين ونقاد السينما أصابتهم غصة للتأجيل لأن في هذه التظاهرة السينمائية - المعجونة بكل ما هو ثقافي وتاريخي وسياحي وجغرافي وروحاني وإبداعي وموسيقي وتشكيلي - كانت فرصة وغنيمة كبرى يتمكنون خلالها من التقاء مجموعة من أهم صناع الأفلام في المغرب والمتوسطي حيث يمكن تبادل النقاشات وإجراء الحوارات التي تظل تُنشر تباعا على مدار العام تقريبا.

أنا شخصياً كنت أفعل ذلك، وبنيت صداقات مع مجموعة من صناع الأفلام في منطقة المتوسط من خلال تطوان، رغم مشقة السفر وطول الرحلة لكني دوما كنت متشوقة لها. إن تواجدي بهذا المهرجان العريق ساعدني على التفاعل عن قرب مع السينما المغربية وصناعها ونقادها وكتابها، - كما بعض صناع السينما العربية - ألتقيهم جميعا، الضيوف والمكرمين والصديقات والأصدقاء، أتبادل معهم أطراف الحديث أثناء تناول الطعام، أو في الطريق إلى قاعات العروض، أو تضمنا جلسات نقاش معمقة وحوارات ثرية عقب الأفلام وأثناء الندوات، فأحصل على رؤية شبه متكاملة كأنني أعيش في هذا المجتمع، وهو أمر مغاير تماماً لو كنت أشاهد وأقرأ من خارجه.

عن أهمية المهرجان وتميزه

هناك ميزة يختص بها مهرجان تطوان، أنه يدعو نخبة من صناع الأفلام بالمغرب، من الأجيال المخضرمة والشباب، حتى لو لم يكن لبعضهم مشاركات فيلمية، لكن تٌوجه لهم الدعوة لأنهم من أصدقاء المهرجان، ولأن وجودهم يمنح الفعالية - التي أراها من الأهم والأبرز في المغرب - زخماً وثراءً في النقاش والحوارات، وفي ذات الوقت يفتح المجال واسعاً أمام صناع السينما من أهل المغرب للالتقاء بنظرائهم من بلدان المتوسط. إنه تفكير ذكي يترك آثاره الإيجابية، فعن طريق هذا التفاعل قد تتم شراكات إنتاجية، أو بناء جسور تؤدي لتعاون سينمائي مستقبلي.

كان ولا يزال مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط أحد أهم المهرجانات السينمائية في المغرب والوطن العربي والذي دعمه مخرجين مصريين كبار مثل شاهين وصلاح أبو سيف، ونجوم مثل نور الشريف وعزت العلايلي، ومحمود حميدة وليلى علوي وغيرهم من كبار نجومنا، فمن خلاله نعيش تلك الحالة الثقافية السينمائية، ونستمتع بأجواء وجمال مدينة تطوان، ومرتيل التي كانت تتبعها إداريا في السابق، بموقعها على البحر مباشرة، إضافة إلى مدن أخرى مجاورة يمكن زيارتها في يوم واحد ثم العودة مثل سبته، وشفشاون، كذلك طنجة الساحرة التي تم صناعة العديد من الأفلام الدولية عنها.

إضافة لكل ما سبق، فإن مهرجان تطوان المتوسطي لا شك هو أحد أهم المهرجانات في المنطقة العربية وأفريقيا والبحر المتوسط، فقد امتلك خياراً ثقافياً في مرحلة مبكرة من عمره، والتزم به القائمون على تنظيمه، فمنذ الدورة الثالثة كان التأكيد على ضرورة أن يكون للمهرجان خياراً ثقافياً وانتماءاً محدداً، فتم اختيار «المتوسط». يقول لي رئيس المهرجان أحمد الحسني في حوار خاص: «كان لنا علاقة كبيرة مع الهوية المتوسطية. كان مونبلييه مهرجان كبير وكانت علاقتنا به قوية، كان هناك مهرجان الإسكندرية في مصر لكنه لم يكن منتظماً. فكانت الفكرة المطروحة: لماذا لا يتم خلق مهرجان متوسطي في شمال إفريقيا، ليكون المتوسط حاضر بهذه المنطقة.»

تفكير مستقبلي ينقصه دعم القطاع الخاص

على مدار تسع وعشرين دورة حافظ المهرجان على هويته، كان هناك تفكير مستقبلي يخص البنية التحتية بخطط قد يمتد تنفيذها سنوات، لكنها تستحق وقد بدأت بالفعل فيما يخص زيادة قاعات العرض، والطرق، والعمل على توفير مطار قريب.

مثلما، كان منظمي المهرجان يستعدون بكل طاقاتهم لتنظيم دورة جديدة تليق بالرقم ٣٠، كان هناك ترتيبات تُلبي طموحات الجمهور الذين ينتظرهم، لكن للأسف بسبب الماديات، وارتفاع الأسعار الذي يشمل العالم أجمع، وفي ظل غياب دعم القطاع الخاص لم يتمكن منظمو المهرجان العريق من إنجاز الدورة في موعدها، وقبيل أسبوعين فقط تم الإعلان عن تأجيلها إلى ٢٥ أكتوبر وحتى الأول من نوفمبر ٢٠٢٥.

شخصياً، لا ألوم المنظمين، بل أشد على أيديهم، وأُحيي نزاهتهم، فأغلبهم متطوعون، يعملون بجهود ذاتية لأجل إنجاز دور ثقافي يؤمنون به، مثلما أُحيي صدقهم مع أنفسهم، فقد كان من الممكن لآخرين غيرهم أن يقيموا الدورة بالمتاح فقط، وتكون النتيجة تظاهرة ضعيفة شكلا ومضمونا، كما نشاهد أحياناً في بعض المهرجانات. لكن مهرجان تطوان لديه تاريخ ومنظموه حريصون كل الحرص على حماية هذا التاريخ وتطويره والإضافة إليه.

هنا، لا أنسى أن تطوان كان من أهم المهرجانات التي قاومت فترة الحجر الصحي ولم تستلم لتفشي وباء كورونا، فقاموا بتنظيم الفعالية افتراضياً، ثم واصلوا الطريق، وحينما توفرت لديهم أموال من دورة الحجر الصحي قاموا بتوظيفها في مسابقة أخرى تمنح جوائز للمبدعين من نطاق المتوسطي، بعضها جوائز مالية أو الفوز بفرصة المشاركة في إحدى الورش في كتابة السيناريو على مدار شهور بأحد المهرجانات الأوروبية العريقة، إضافة لنصائح وتدريبات من صفوة الخبراء القادمين من أكبر المهرجانات الدولية.

تفرد المغرب وواجب القطاع الخاص

لا شك أن المغرب بلد متفرد في قدرته على الحفاظ على الصناعات التقليدية، وهذا أمر أغبطهم عليه، لأنه يحفظ الهوية المغربية، في ذات الوقت أجده أمر جاذب للسياحة، لو أضفنا إلي ذلك أن كثير من المدن المغربية مناطق سياحية من الدرجة الأولي، وتطوان لا ينقصها شيء من ذلك، وإلى جوارها وعلى بعد ساعة ونصف أو ساعتين على الأكثر عدة مدن سياحية تتميز بمناظرها الخلابة، وشواطئها الساحرة.

والسؤال الآن: أين دور القطاع الخاص من كل هذا؟ أين رجال الأعمال من هذه الفرصة؟ لماذا لا يُساهم رجال الأعمال أو القطاع الخاص في دعم هذه التظاهرة السينمائية شديدة الأهمية لأهالي تطوان، والمغرب؟ خصوصاً أن هناك فرص كبيرة أن يستعيد هؤلاء الداعمين من رجال ورجالات القطاع الخاص ما سوف ينفقونه من أموال على أشكال أخرى، هذا إذا اشتغلوا على خطط خارج الصندوق؟ خطط غير تقليدية، مبتكرة.

إن دعم القطاع الخاص لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط هو أمر ضروري، وواجب حتمي على أفراد القطاع الخاص، ومؤكد أنهم سوف يجنون من وراءه الكثير، كما أن هذا الدعم يُعد مواجهة ناعمة وقوية وحصينة ضد أي فكر متطرف أو إرهابي. وفي ذات الوقت ورغم أن البيان الصادر عن المهرجان يُؤكد على أن الجهات الحكومية قامت بدورها ودعمت المهرجان بحصص مالية، لكني من موقعي أرى أنه في ظل موجة الغلاء العالمي فإنه من واجب كل الجهات الحكومية والوزارات، وخصوصاً المركز السينمائي المغربي - الذي يدعم سينمائيين من خارج المغرب - والمؤسسات الداعمة للمهرجان عليهم جميعاً أن يزيدوا من حصة الدعم سواء المادي أو اللوجستي لأن مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط هو مهرجان عريق على اسم المغرب، يفخر به كل مغربي، وأنا كمصرية عربية أيضاً أفخر به، فتحية لكل فرد من كتيبة المنظمين، ولكل فرد من شباب المتطوعين.

إعلان

إعلان